الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والرحمة والرحمن والرحيم.. مشتق منها الرحم الذي هو مكان الجنين في بطن أمه.. هذا المكان الذي يأتيه فيه الرزق.. بلا حول ولا قوة.. ويجد فيه كل ما يحتاجه لنموه ميسرًا.. رزقا من الله سبحانه وتعالى بلا تعب ولا مقابل.. انظر إلي حنو الأم على ابنها وحنانها عليه.. وتجاوزها عن سيئاته وفرحته بعودته إليها.. ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى في حديث قدسي: «أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته» رواه احمد والبخارى وابو داود والترمذى.الله سبحانه وتعالى يريد أن نتذكر دائما أنه يحنو ويرزقنا.. ويفتح لنا أبواب التوبة بابا بعد آخر.. ونعصى فلا يأخذنا بذنوبنا ولا يحرمنا من نعمة.. ولا يهلكنا بما فعلنا. ولذلك فنحن نبدأ تلاوة القرآن الكريم {بسم الله الرحمن الرحيم}.. لنتذكر دائما أبواب الرحمة المفتوحة لنا.. نرفع أيدينا إلي السماء.. ونقول يا رب رحمتك.. تجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا. وبذلك يظل قارئ القرآن متصلا بأبواب رحمة الله.. كلما ابتعد عن المنهج أسرع ليعود إليه.. فما دام الله رحمانا ورحيما لا تغلق أبواب الرحمة أبدا.على أننا نلاحظ أن الرحمن الرحيم من صيغ المبالغة.. يقال راحم ورحمن ورحيم.. إذا قيل راحم فيه صفة الرحمة.. وإذا قيل رحمن تكون مبالغة في الصفة.. وإذا قيل رحيم تكون مبالغة في الصفة.. والله سبحانه وتعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.. صفات الله سبحانه وتعالى لا تتأرجح بين القوة والضعف.. وإياكم أن تفهموا أن الله تأتيه الصفات مرة قليلة ومرة كثيرة. بل هي صفات الكمال المطلق.. ولكن الذي يتغير هو متعلقات هذه الصفات.. اقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ (40)} [سورة النساء].هذه الآية الكريمة.. نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى، ثم تأتي الآية الكريمة بقول الله جل جلاله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46)} [سورة فصلت].نلاحظ هنا استخدام صيغة المبالغة.. ظلام.. أي شديد الظلم.. وقول الحق سبحانه وتعالى: {ليس بظلام}.. لا تنفي الظلم ولكنها تنفي المبالغة في الظلم، تنفي أن يظلم ولو مثقال ذرة.. نقول أنك لم تفهم المعنى.. أن الله لا يظلم أحدا.. الآية الأولى نفت الظلم عن الحق تبارك وتعالى ولو مثقال ذرة بالنسبة للعبد.. والآية الثانية لم تقل للعبد ولكنها قالت للعبيد.. والعبيد هم كل خلق الله.. فلو أصاب كل واحدا منهم أقل من ذرة من الظلم مع هذه الأعداد الهائلة.. فإن الظلم يكون كثيرًا جدًا، ولو أنه قليل في كميته لأن عدد من سيصاب به هائل.. ولذلك فإن الآية الأولى نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى. والآية الثانية نفت الظلم أيضا عن الله تبارك وتعالى.. ولكن صيغة المبالغة استخدمت لكثرة عدد الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة.نأتي بعد ذلك إلي رحمن ورحيم.. رحمن في الدنيا لكثرة عدد الذين يشملهم الله سبحانه وتعالى برحمته.. فرحمة الله في الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر.. يعطيهم الله مقومات حياتهم ولا يؤاخذهم بذنوبهم، يرزق من آمن به ومن لم يؤمن به، ويعفو عن كثير.. إذن عدد الذين تشملهم رحمة الله في الدنيا هم كل خلقه. بصرف النظر عن إيمانهم.ولكن في الآخرة الله رحيم بالمؤمنين فقط.. فالكفار والمشركون مطرودون من رحمة الله.. إذن الذين تشملهم رحمة الله في الآخرة.. أقل عددا من الذين تشملهم رحمة الله في الدنيا.. فمن أين تأتي المبالغة؟.. تأتي المبالغة في العطاء وفي الخلود في العطاء.. فنعم الله في الآخرة اكبر كثيرًا منها في الدنيا.. المبالغة هنا بكثرة النعم وخلودها.. فكأن المبالغة في الدنيا بعمومية العطاء، والمبالغة في الآخرة بخصوصية العطاء للمؤمن وكثرة النعم والخلود فيها.لقد اختلف عدد العلماء حول {بسم الله الرحمن الرحيم}.. وهي موجودة في 113 سورة من القرآن الكريم هل هي من آيات السور نفسها.. بمعنى أن كل سورة تبدأ {بسم الله الرحمن الرحيم} تحسب البداية على أنها الآية الأولى من السورة، أم أنها حسبت فقط في فاتحة الكتاب، ثم بعد ذلك تعتبر فواصل بين السور.وقال العلماء أن {بسم الله الرحمن الرحيم} آية من آيات القرآن الكريم.. ولكنها ليست آية من كل سورة ما عدا فاتحة الكتاب فهي آية من الفاتحة.. وهناك سورة واحدة في القرآن الكريم لا تبدأ ب {بسم الله الرحمن الرحيم} وهي سورة التوبة وتكررت {بسم الله الرحمن الرحيم} في الآية [30 من سورة النمل] في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بسم الله الرحمن الرحيم (30)}. اهـ.
.قال عبد الفتاح القاضي: باب البسملة:أجمع القراء العشرة على الإتيان بالبسملة عند الابتداء بأول كل سورة، سواء كان الابتداء عن قطع أم عن وقف، والمراد بالقطع ترك القراءة رأسا والانتقال منها لأمر آخر. والمراد بالوقف قطع الصوت على آخر السورة السابقة مع التنفس ومع نية استئناف القراءة لأنه بوقفه على آخر السورة السابقة وقطع صوته على آخر كلمة فيها مع التنفس يعتبر مبتدئا للسورة اللاحقة وإن كان مريدا استئناف القراءة فلابد حينئذ من البسملة لجميع القراء، وهذا الحكم عام في كل سورة من سور القرآن إلا براءة فلا خلاف بينهم في ترك البسملة عند الابتداء بها.واختلفوا في حكم الإتيان بها؛ فذهب ابن حجر والخطيب إلى أن البسملة تحرم في أولها وتكره في أثنائها.وذهب الرملي ومشايعوه إلى أنها تكره في أولها وتسن في أثنائها كما تسن في أثناء غيرها.وأما الابتداء بأواسط السور فيجوز لكل منهم الإتيان بالبسملة وتركها، لا فرق في ذلك بين براءة وغيرها واستثنى بعضهم وسط براءة فألحقه بأولها في عدم جواز الإتيان بالبسملة لأحد من القراء، وذهب بعضهم إلى أن البسملة لا تجوز في أوساط السور إلا لمن مذهبه الفصل بها بين السورتين. وأما من مذهبه السكت أو الوصل بين السورتين فلا يجوز له الإتيان بالبسملة في أواسط السور. وعلى هذا المذهب تكون أوساط السور تابعة لأولها. فمن بسمل في أولها بسمل في أثنائها، ومن تركها في أولها تركها في أوساطها؛ والمراد بأوساط السور ما بعد أوائلها ولو بآية أو بكلمة.وأما حكم ما بين كل سورتين فاختلف القراء العشرة فيه؛ فذهب قالون وابن كثير وعاصم والكسائي وأبو جعفر إلى الفصل بالبسملة بين كل سورتين، وذهب حمزة وخلف إلى وصل آخر السورة بأول ما بعدها من غير بسملة، وروي عن كل من ورش وأبى عمرو وابن عامر ويعقوب ثلاثة أوجه البسملة، والسكت، والوصل: والمراد بالسكت الوقف على آخر السابقة وقفة لطيفة من غير تنفس قدر سكت حمزة على الهمز. والمراد بالوصل وصل آخر السورة بأول تاليتها، ولا بسملة مع السكت ولا مع الوصل، وهذا الحكم عام بين كل سورتين سواء أكانتا مرتبتين كآخر البقرة وأول آل عمران، أم غير مرتبتين كآخر الأعراف مع أول يوسف لكن يشترط أن تكون الثانية بعد الأولى في ترتيب القرآن والتلاوة كما مثلنا. فان كانت قبلها فيما ذكر كأن وصل آخر الرعد بأول يونس تعين الإتيان بالبسملة لجميع القراء ولا يجوز السكت ولا الوصل لأحد منهم. كذلك لو وصل آخر السورة بأولها كأن كرر سورة من السور فان البسملة تكون متعينة حينئذ للجميع، كذلك تتعين البسملة للكل لو وصل آخر الناس بأول الفاتحة.هذا وبعض أهل الأداء اختار الفصل بالبسملة بين المدثر والقيامة، وبين الانفطار والتطفيف وبين الفجر والبلد، وبين العصر والهمزة لمن روي عنه السكت في غيرها. وهم ورش والبصريان والشامي. واختار السكت بين ما ذكر لمن روي عنه الوصل في غيرها وهم المذكورون وخلف وحمزة. وذهبت طائفة إلى إبقاء الساكت على أصله واختيار السكت فيهن للواصل في غيرهن، وعدم جواز وصل البسملة بأول السورة بالنسبة للمبسمل. والذي ذهب إليه المحققون من العلماء عدم التفرقة بين هذه السور وبين غيرها، وهو الصحيح المختار الذي عليه العمل. وعلى التفرقة يكون لهذه السور مع غيرها حالتان: الأولى لو قرأت من آخر المزمل إلى أول القيامة فالمبسمل بين كل سورتين على حاله بأوجه البسملة الثلاثة، والساكت بين المزمل والمدثر له بين المدثر والقيامة السكت والبسملة بأوجهها الثلاثة، والواصل بين المزمل والمدثر له بين المدثر والقيامة الوصل والسكت فتكون الأوجه تسعة. الحالة الثانية لو قرأت من آخر المدثر إلى أول الإنسان فالمبسمل بين المدثر والقيامة له بين القيامة والإنسان البسملة بأوجهها الثلاثة، وفي الاختيار يزيد السكت بلا بسملة على كل وجه منها بين القيامة والإنسان، والساكت بين المدثر والقيامة له بين القيامة والإنسان السكت والوصل. والواصل بين المدثر والقيامة له بين القيامة والإنسان الوصل فقط فتكون الأوجه تسعة أيضا.فائدة: يجوز لكل من فصل بين السورتين بالبسملة ثلاثة أوجه:الأول: الوقف على آخر السورة وعلى البسملة.الثاني: الوقف على آخر السورة ووصل البسملة بأول التالية.الثالث: وصل آخر السورة بالبسملة مع وصل البسملة بأول التالية. أما الوجه الرابع: وهو وصل آخر السورة بالبسملة مع الوقف عليها فهو ممتنع للجميع. وعلى هذا يكون لقالون ومن معه هذه الأوجه الثلاثة بين كل سورتين ويكون لورش والبصريين والشامي بين كل سورتين خمسة أوجه: ثلاثة البسملة والسكت والوصل، أما خلف وحمزة فليس لهما بين السورتين إلا وجه واحد وهو الوصل.تتمة:لكل من القراء العشرة حتى حمزة وخلف بين الأنفال والتوبة ثلاثة أوجه:الأول: الوقف وقد يعبر عنه بالقطع، وهو الوقف على آخر الأنفال مع التنفس. الثاني: السكت وهو الوقف على آخر الأنفال من غير تنفس. الثالث: وصل آخر الأنفال بأول التوبة، وكلها من غير بسملة، وهذه الأوجه الثلاثة جائزة بين التوبة وبين أي سورة بشرط أن تكون هذه السورة قبل التوبة في التلاوة فلو وصلت آخر الأنعام مثلا بأول التوبة جازت هذه الأوجه الثلاثة لجميع القراء. أما إذا كانت هذه السورة بعد التوبة في التلاوة كأن وصلت آخر سورة النور بأول التوبة فلم أجد من أئمة القراءة من نص على الحكم في هذا. ويظهر لي- والله أعلم- أنه يتعين الوقف حينئذ ويمتنع السكت والوصل، والله تعالى أعلم. كذلك يتعين الوقف ويمتنع السكت والوصل إذا وصلت آخر التوبة بأولها. اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: .قال السمين: {بسم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.مصدر بَسْمَلَ، أي قال: بسم الله، نحو: حَوْقَلَ وهيْكَلَ وحَمْدَلَ، أي: قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا إله إلا الله، والحمد لله. وهذا شبيه بباب النحت في النسب، أي أنهم يأخذون اسمَيْن فَيَنْحِتون منهما لفظًا واحدًا، فينسِبون إليه كقولهم: حَضْرَميّ وعَبْقَسيّ وعَبْشَميّ نسبةً إلى حَضْرَمَوْت وعبدِ القَيْس وعبدِ شمس. قال:وهو غيرُ مقيس، فلا جرم أن بعضهم قال في: بَسْمل وهَيْلل إنها لغة مُوَلَّدَة قال الماوردي: يقال لمَنْ قال: بسم الله: مُبَسْمِل وهي لغة مُولَّدة وقد جاءَتْ في الشعر، قال عمر بن أبي ربيعة: وغيرُه من أهلِ اللغةِ نَقَلها ولَم يقُلْ إنها مُوَلَّدَة كثعلب والمطرِّز.وبِسْم: جارّ ومجرور، والباء هنا للاستعانة كعَمِلت وبالقَدُوم، لأنَّ المعنى: أقرأ مستعينًا بالله، ولها معانٍ، أُخَرُ تقدَّم الوعدُ بذكرها، وهي: الإلصاقُ حقيقةً أو مجازًا، نحو: مَسَحْتُ برأسي، مررْتُ بزيدٍ، والسببية: نحو: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ}.أي بسببِ ظلمهم، والمصاحبة نحو: خرج زيد بثيابه، أي مصاحبًا لها، والبدلُ كقوله عليه السلام: «ما يَسُرُّنِي بها حُمْرُ النَّعَم» أي بدلها، وكقول الآخر: أي: بَدَلَهم، والقسم: أحلفُ باللهِ لأفعلنَّ، والظرفية نحو: زيد بمكة أي فيها، والتعدية نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}.التبعيض كقول الشاعر: أي من مائة، والمقابلة: اشتريتهُ بألف أي: قابلتُه بهذا الثمنِ، والمجاوزة مثلُ قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ}.أي عن الغمام، ومنهم مَنْ قال: لا تكون إلا مع السؤال خاصة نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}.أي عنه، وقول علقمة: والاستعلاء كقوله تعالى: {مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ}.
|